[ تندرج هذه القصائد ضمن ملف "الموجة الجديدة في الشعر السوري (أثر الحرب)" الذي ستقوم جدلية بنشره على مدار الأسبوعين القادمين ]
لست أنا
غداً ستفتح العصافير عيونها ولن تجدك ..
سأكون قد انتهيت للتو من أكل قلبك ...
وشرب ملح ليلة كاملة من الأرق ..
سأكون قد أكملت طلاء الجدار بلون عينيّ اللتين تحب ..
ورفعت تعب النيكوتين عن قمصانك..
سأكون للتو قد أتممت دعائي لك وتلك الرسالة التي تقول:
انتبه حبيبي، الحجر الذي تركله بحزن قدمك لن يتحول إلى فراشة ..
إنه ببساطة قلبي ..
نجمة كسيحة بجوار السماء
الحصان جائع ..
جائع جدا يا أبتي...
النهر بعيد والملح على حافة القصائد لزج كجثة غريب..
لا أدري من منا غفا، أنا أم الحصان ..
العشب في روحي طويل و هديل النجمة اليتيمة على حافة القمر حزين..
حزين جداً يا أبتي...
لا ادري من منا أتى، أنا أم الحصان ..
دخلت المدينة و في فمي مجزرة ..
رسمت وجوه القتلى وحفرت لكل واحد منهم قبراً داخل الصهيل في روحي ..
ثم نفخت قبة من الفراشات..
و صرخت بقوة..
لم يجتمع الأطفال حول المقبرة هذه المرة ..
لم يكن معي سكاكر كل ما كنت إملكه هو قبة من الفراشات صنعها الحب ..
حطمها أطفال الحرب وظل القبر بلا قبة ..
لا أدري ..
لا أدري يا أبتي من منا أخرس الليلة أنا أم الشعر ...
أرسلت ذاكرتي لتبحث عن أطفال الجبال الذين أضاعهم الطريق ...
أرسلتها لتصالح التراب على الماء ..
الماء على الحريق والحريق على الضوء ..
وتعيد أشلاء الجثث والأحلام للتراب ..
لا أدري ماذا حدث هذه المرة أيضا يا أبتِي...
اشتعل قلبي وظلت الأشجار حولي فارغة...
من منا مريض من...
منا مصاب ..
من منا جريح..
أنا أم الشعر أم الطعنة.؟
وصل إخوتي متأخرين وجفت البئر في فمي ..
وأنا اليتيمة بدونك ما زلت أسأل ..
من سيطعم الحياة غداً؟ ..
من سيغطي كتف حبيبي البعيد إذا ما أمسكتني رغبة بعدم النهوض؟ ..
من سيهدهد الأغاني ويدندن للنجمة القريبة حتى يهدأ حصاني الجائع؟..
من سيغسل اطراف الورود المشلولة و يفك العصبة عن عيون الرصاصة العمياء؟ ..
ليصل حصاني الجائع ..
من يا أبي؟ ..
من؟ .. .
الحصان جائع ..
جائع جداً...
النهر بعيد والملح على حافة القصائد موجع ..
قلت لي مراراً لا تضعي الشمس والقمر في كف واحدة ..
ستسقطين كالريح ولن يبقى منك سوى ريشة...
لا أدري يا أبتي مذ رحلت وأنا أقلب ضريح الشعر وأتدحرج ..
أتدحرج كحبة جوز على صدر المدن المثقوبة..
مذ رحلت والحصان جائع ..
جائع يا أبتي والنهر الذي أهديته لحبيبي ينهض كل صباح ..
كل صباح يا أبتي ليغتسل....
سجادة الصلاة كما هي ..
والدعاء الذي تركته مازال يحوم حول قلبه...
يبحث عن سنونوة جديدة تحمل روحي إليه..
حمامه النائم على حافة النافذة..
و غبار قراه يقفز فوق جسدي لا يود النهوض..
أفتح الباب ..
أحضن معطفه الوحيد..
وأعد له قهوة الصباح ..
أدخل وأملأ مكاني الفارغ على الكنبة..
أفرش أصابعي عقداً من الياسمين لوجهه الصغير..
أصابعي التي تعبت...
أصابعي التي تعبت جدا يا أبتي ...
من كتابة الشعر و توسل العصافير كي تبقى قريبة منه كل الليل لتغطيه..
أصابعي التي لا تستطيع اختراق المعنى وتعود إلى صدري قبضة حزينة..
حزينة جداً يابو .. ..
مذ رحلت وأنا أتدحرج ..
وحبة الجوز لا تتوقف...
تأخذ سناجب قلبي..
تأخذ الليل الذي يجري أمامي ذاكرة حنونة تلاحق صورة..
تتدحرج وتعلم الحياة كيف تجيد الحب قبل أن تطلق الرصاص على ذلك القمر البعيد....
ثم تشدني ..
تشدني وشعر القطارات التي مرت على قلبي كل هذا العمر ولم تأخذني إليه.. ..
تتدحرج وتبكي ..
تبكي يا أبتي عوضا عني وعنك ...
في كل مرة تكتبه القصيدة...
لا أدري ...
الحصان جائع...
جائع جداً يا أبتي...
النهر بعيد والحب على حافة العتمة يؤلمني ...
يؤلمني جدا يابو وأنت بعيد ..
بعيد جداً ولم تمت بعد ..
لم تمت.
................
12/3/15
نساء معلبات، ملح المساء والجرائد
ثقيل هو هذا المساء..
ثقيل كجثة شاعر..
كمفتاح موسيقى عالقة بين الأبيض والأسود.
ثقيل كأن أقطع الأشجار على جسدك غصناً غصناً ولا أصاب بالخريف ..
كأن أرتجف هكذا ..
هكذا فزاعة من الشعر ولا تهابني العصافير ..
كأن أكسر اللون الأسود الذي أحب ...
أرتدي لك قميصاً من الأزهار لا تراها ..
أغتسل بالضوء ..
أتنفس صورتك المعلقة على صدري بأصابع طويلة ...
ثم أسقط مغشياً عليّ فوق اللحاف..
ثقيل هو هذا المساء ..
كأن أجرح قلبي بشفرة حلاقتك ..
يسيل دم الحب على وجهي ..
يأخذني اللون الأحمر .....
يبتسم لي صوتك..
لا أدري هل أبكي أم أضحك..
ثقيل هو هذا المساء...
ثقيل...
كأن أشعر بحزن الخطوات
قبل عودتي من البيت
أخبئ رائحتك في سلة الخبز...
أصفف وجهك كآخر حبة هيل في قهوتي....
وأفرغ حزنك ملحاً للعلب الفارغة. ...
ثم أمسح الطاولة بابتسامة منك لألمع كنجمة مكسورة...
كأن أشعر بحزن الفراشات ...
قبل عودتي من البيت ..
أكتب اسمك على ظهر طفلي..
أرسم قلبا كبيراً يتسع لكل عشائر العصافير..
أدخل القصيدة و أتوسل الآلهة ..
أتوسلها بصدق ..
أن لا يموت الفرح قبل أن تصل قبائل الغجر بعنقي الممدود إليك..
كأن أكمل مجموعتين شعريتين بحبك..
ولا ينشف هذا القلب...
كأن أسأل الليل.....
متى سأكف عن شنق الورود
ورسم وجهك أرضاً سعيدة لذلك القمر الحزين..
متى سأشعر بالشفقة على حبات الليمون في حديقتي..
و أتوقف عن غرس أصابعي في قلب الأشجار
لتنبت بسرعة أظافري التي تحب ..
كيف سأجر الحرب خارج الأغاني
وأضع روحك تحت لساني ..
كأن أضمك بقوة قبل أن يجف شَعري ..
شَعري الذي ينمو بسرعة ..
بسرعة مخيفة الليلة..
ترى ماذا سأقضم في يوم حنون كهذا ...
عوضاً عن التفكير بك و بالقصائد..
كأن أخرج هكذا ..
هكذا ممتلئة وكأني لم أكتب شيئاً.
كأن أدخل التاريخ بقصيدة قصيرة و نصف زجاجة بيرة
لم تكمل شربها ليلة أمس..
أحشد روحي الكثيرة في علبة سردين ...
ثم أنادي النجوم باسمك ..
الأشجار باسمك ..
الرياح باسمك ولا من أحد يجيب..
كأن أكون النهر ..
النهر الذي ظل يجري أربعين حباً
ولم يقطع المحيط الذي بيني وبينك..
ثقيل هو هذا المساء ..
ثقيل جداً...
كأن أفتح الغيوم ..
أكسر الأزرق ..
أغربل الحرب...
فيسقط قلبي و يبقى قلبك ...
ليرتفع عالياً ..
عالياً مع الرصاص..
كأن يهطل المطر..
يبلل الخيول ..
الخيول التي تنظر إلى عيون الآلهة فلا تقع ..
لا تقع...
ثقيل هو هذا المساء ..
ثقيل كجريدة باردة ..
باردة جداً...
تغطي جثة طفل يفترش الرصيف
ويحلم بحضن أبيه المقتول.
...................